بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ}(النور:36-38)
أيها الإخوة المؤمنون الكرام الأعزاء.. لا زلنا نعيش بحرقةٍ وألم المصاب الجلل المفجع بمرقدي الإمامين العسكريين، الإمام علي بن محمد الهادي، والإمام الحسن بن علي العسكري (عليهما الصلاة والسلام)، ومرقد السيدة حكيمة بنت الإمام محمد بن علي الجواد (عليها السلام)، والسيدة نرجس (عليها السلام) والدة الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه الشريف)، فهذه المراقد الشريفة هي رموز مقدسة، وهي التي شرُفت بشرف النازلين بها، وكما هو معروف أن شرفَ المكان بالمكين، ولذا القلوب المحبة المفعمة بالولاية تعظم هذه الرحاب الطاهرة ويؤلمها ما صنعته أيد الظالمين المفسدين الذين لم يراعوا حرمة الله، فهم الأشقياء المحرومون من رحمة الله {..أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}(البقرة:159)
1- يا أهل المحبة والولاء.. إن تعظيمنا لأهل بيت العصمة والطهارة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) هو اتباعٌ لتعظيم الله عزوجل لهم، فهم (عليهم السلام) خيرُ من عظَّمَ جلالَ اللهِ سبحانه في جميع أقطار الكون، فرفع الله قدرهم وعظم شأنهم، يقول شيخنا الأجل الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي (قدس سره) في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة؛ شارحاً لعبارة مولانا الإمامِ الهادي (عليه السلام) (فعظمتم جلالَه وأكبرتم شأنَه) يقول قدس سره "فإذا عرفتَ أنّ غيْبَ جميع ِالعوالمِ آثارُ عظمةِ فعله، وعرَفْتَ حقارةَ غيبك في غيوب جميع العوالم ظهرَ لك ما لا تقدر على وَصْفِ شيء منه من العظمة، وقد جعل الله سبحانه محمّداً وآله (صلى الله عليه وآله وسلم) خزائنَ هذه الغُيوب فتعظيمُهمْ لِجَلالِ الله لا يساويه تعظيم شيء من خلقِ الله تعالى لأنّهم محال مشيتِه والكلماتُ التي ملأتْ أركانَ كلِّ شيءٍ، بل بالاقتداء بهم والأخذ عن تعليمهم يعظَّمُ الله تعالى، ويقبَل ممن عظّمَه تعظيمَهُ إذا كان عنهم وبسبيل تعظيمِهم"
2- نعم أيها المؤمنون الأعزاء .. إنَّ بالغَ تعظيمِنا لهم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) قليلٌ في حقهم، وما عسى أن يبلغ أمامَ علوِّ قدرهم وعظيمِ شأنهم، وأمامَ رتبَِهم ومقامهم الذي نصبَّهم الله فيه على الخلائق, وكلما ترقى المؤمن في معرفة مقاماتهم (عليهم السلام) زاد تعلقاً بهم وعظَّم كلَّ شيء من صفاتهم وأحوالهم وشؤونهم. وفي ذلك ننقل ما تفرح به القلوب المؤمنة بما يناسب المقام مما ذكره شيخنا الأجل الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي (قدس سره) في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة؛ شارحاً لعبارة مولانا الإمام علي الهادي (عليه السلام) (وفصلُ الخطاب عندَكم وآياتُ الله لديكم وعزائمُه فيكم):
3- يقول (قدس سره) ((فآيات الله التي هي المعجزات أظهرها بِهمْ لأنبيائه (عليه السلام) لتصديقهم في إظهار أمر ولايتهم أو لهم لإعلاء كلمتِهم وتأسيس مدائحهم الّتي تُتلى بألسِنَةِ أعمال الخلائق وحركات أجسامهم ونفوسهم وعقولهم بنشر الثناء عليهم فتكون لديهم لأنّها صفاتُهم وآثارُ أفعالهِم، بل مظاهرهُم وصوَّرُ أفعالِهم وأمثالهم وهي آياتُهم وصورُهم. قال [أميرالمؤمنين] علي (عليه السلام) في بيان معرفته بالنورانية بعد كلام طويل "صار محمدٌ (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحبَ الجمعِ وصرتُ أنا صاحبَ النشر وصار محمدٌ (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحبَ الجنةِ وصرت أنا صاحبَ النار أقول لها خذي هذا وذري هذا وصار محمدٌ (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحبَ الرجعةِ وصرت أنا صاحبَ العهدة وأنا صاحبُ اللوحِ المحفوظ ألهمني الله عزوجل علمَ ما فيه، نعم يا سلمان ويا جندب وصار محمدٌ {يس وَالقُرْآنِ الحَكِيمِ} وصار محمدٌ {ن وَالقَلمِ} وصار محمدٌ {طه ما أَنْزَلنا عَليْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى} وصار محمدٌ صاحبَ الدلالات وصرتُ أنا صاحبَ المعجزاتِ والآيات وصارَ محمدٌ خاتمَ النبيين وصرتُ أنا خاتمَ الوصيين وأنا الصراط المستقيم وأنا النبأ العظيم الذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ولا أحدٌ اختلف إلا في ولايتي"
4- إلى أن قال"يا سلمان ويا جندب" قالا لبيك يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام) "أنا الذي حملت نوحاً في السفينة بأمر ربي وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربي وأنا الذي أخرجتُ إبراهيم من النار بإذْن ربي"
إلى أن قال "وأنا عذابُ يومِ الظِلة وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان الجن والإنس وفهمه قوم، إني لأُسْمِعُ كلَ قومِ الجبارين والمنافقين بلغاتهم وأنا الخضر عالم موسى وأنا معلم سليمان بن داوود وأنا ذو القرنين"
5- إلى أن قال "وأنا تكلّمت على لسان عيسى ابن مريم في المهد وأنا آدم وأنا نوح وأنا إبراهيم وأنا موسى وأنا عيسى وأنا محمّد انتقلتُ في الصور كيف أشاء من رآني فقد رآهم ومن رآهم فقد رآني ولو ظهرتُ للناس في [صورةٍ] واحدةٍ لهلك فيَّ الناس وقالوا هو لا يزول ولا يتغيّر وإنما أنا عبد من عبيد الله لا تسمُّونا أرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر لأنا آيات الله ودلائله وحجج الله وخلفاؤه وأمناؤه وأئمته ووجه الله وعين الله ولسان الله بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب، ومن بين خلقه طهَّرَنا واختارنا واصطفانا ولو قال قائل لم وكيف وفيم لكفر وأشرك لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
6- يا سلمان ويا جندب. قالا لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال (عليه السلام) "من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت وأوضحت ونوَّرت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل ومن شك وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب.
يا سلمان ويا جندب" قالا لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك قال (عليه السلام) "أنا أحيي وأميت بإذن ربي وأنا أنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم بإذن ربي وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي (عليهم السلام) يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا لأنا كلنا واحد أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد، فلا تفرقوا بيننا ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله، الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا الله ربُنا لأن من أنكر شيئا مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عز وجل" الحديث))(شرح الزيارة الجامعة الكبيرة- الشيخ الأجل الشيخ الأوحد قدس سره)
نفعنا الله بالعلم النافع وجعلنا من "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ"
7- ( وسبحانَ ربِكَ ربِّ العزةِ عمَّا يَصِفُونَ وسَلامٌ عَلى المرسلينَ والحمَّدُ للهِ ربِّ العَالمينَ ) وجزى الله علماءَنا خيرَ جزاءِ المحسنين، رحم الله الماضين منهم وأيَّدَ الباقين وسدَّدهم بتسديده وحفظهم بحفظه , لاسيَّمَا مولانا الحكيمَ الإلهي والفقيهَ الرباني مرجعَنا في المسيرة الأوحدية بعينه التي لاتنام وأعزه بعزته وأطالَ عمرَه الشريف بالصحة والعافية، ونسأله "جلَّ وعلا" أن يوفقَنا جميعاً لمايحبُه ويرضاه أنه سميع مجيب.. وصلى الله وسلَّم على ساداتنا وموالينا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.