» تقويم شهر رمضان المبارك لعام 1427هـ  » جلسة استقبال شهود هلال شهر رمضان المبارك  » تقويم شهر شعبان المعظم لعام 1427هـ  » التقويم الشهري لشهر رجب المرجب من عام 1427 هـ  » التقويم الشهري لشهر جمادى الآخرة من عام 1427 هـ  » تم إضافة تسجيل لعزاء وفاة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام  » التقويم الشهري جمادى الأولى لعام 1427  » الحسينية الجعفرية احتفلت بعودة الميرزا عبدالله الاحقاقي  » التقويم الشهري لشهر ربيع الأخر لعام 1427  » تم إضافة تسجيل لعزاء وفاة الأمام الحسن العسكري عليه السلام  

  

30/11/1999م - 12:00 ص | مرات القراءة: 3939


تحقيق الكاتب الشيخ راضي السلمان
لحياة ومقبرة الشيخ أحمد بن فهد الأحسائي (قدس سره)
والتحقيق في مكان قبره الشريف
لقد أصدرت قبل مدة ضمن سلسلة (شخصيات من بلادي) العدد الأول حول الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (قدس سره)، والتي حضيت بموافقة وزارة الإعلام السعودية، وكان للعدد انتشار واسع (أسأل الله أن يكون عملاً مقبولاً).
ومن قرأ ذلك المختصر عن الشيخ أحمد ابن زين الدين الأحسائي؛ وخصوصاً ما يتعلق برحلاته وتنقلاته؛ يدرك بوضوح السبب الرئيس في شهرته، وذياع صيته، خصوصاً في الخليج والعراق وإيران.
وفي اعتقادي الشخصي يعود ذلك لعدة أسباب منها:

1) قلة ترحالهم، وندرة سياحتهم في مختلف البلاد، الأمر الذي لم يقع في شراكه الشيخ أحمد ابن زين الدين الأحسائي، مع أنه قَصَدَ من ذلك الترحال -كما هو ظاهر كلامه في سيرته- الاعتزال عن الناس، وأن لا يُعرف بينهم، ولكنه أراد شيئاً وأراد الله  خلافه.

2) التواضع المفرط، وهي السِّمة التي اشتُهرت بشكل واضح وخصوصاً عند علماء وطُلَّاب المراكز العلمية المختلفة حول طلبة العلوم الدينية الأحسائيين (قديماً وحديثاً).
تواضعٌ يصل إلى حدِّ نكران الذات، واستصغار المؤهلات الذاتية، التي يشهد الواقع أنها قد تفوق الأقران، مما يدفعهم ذلك كثيراً إلى عدم الاختلاط، وعدم منافسة الآخرين -وإن كانوا أقل منهم في المستوى العلمي- لحسن الظن بهم.

3) قلة من امتهن كتابة التأريخ لأعلام المنطقة عموماً، وندرة من أرَّخ لألئك الأفذاذ من أبناء جلدتهم خصوصاً، بل غالب ما خُصِّص من كُتبٍ عن أعلام المنطقة لا يزال رهن المخطوطات، والكثير ممَّن أرَّخ لمشاهير أعلام الأحساء في التراجم العامة؛ هم غرباء عن طبيعة منطقة الأحساء، ويجهلون الكثير من العوامل البيئية والاجتماعية التي تساهم في تكوين شخصية أبناء المنطقة وعلمائها، وقديماً قيل: (ما حكَّ جلد مثل ظفرك).
وأراني بعد ذكر هذه الأسباب غنيٌّ عن الاعتذار في قلة ما سأنقله حول شخصية عملاقة من أعلام هذه المنطقة في هذا العدد، وهو شخصية (العلامة الشيخ أحمد بن فهد الأحسائي قدس سره)؛ فهو أحد مصاديق الشخصيات التي بخسها التأريخ حقها، وأجحف كثيراً في الاحتفاظ بالمعلومات عنها، رغم ما ناله معاصروه وأقرانه، بل من هم دونه من شخصيات المناطق الأخرى من تسليط الأضواء.

وقد خصصت العدد الثاني من (سلسلة شخصيات من بلادي) حول هذه الشخصية، وكتبت ذلك البحث منذ مدة طويلة، وقد حاز على موافقة وزارة الإعلام السعودية على نشره آنذاك، إلا أن الظروف أخرت نشره، ففكرت أن أنقل للباحثين عصارة ذلك البحث، علني أستفيد من ملاحظاتهم وانتقاداتهم قبل نشره.


وقبل البدأ  أقول:

 الواجب الذي يفرضه الوفاء لتلك الشخصيات؛ هو أن نشجِّع أجيالنا على التنقيب عن أحوال أسلافهم من عمالقة العلم والثقافة والأدب، وترعى مؤسساتنا إنتاج نخبة من المؤرِّخين المختصِّين ليعيدوا صياغة مجد أعلام المنطقة، وتتفاعل عوائلنا وأسرنا العلمية بالخصوص، لإظهار ما يُمكن إظهاره من تراثٍ أعلامهم، ليكشف عن صورهم الحقيقية الناصعة، لأبناء الأجيال القادمة، بل للبشرية جمعـاء.
تلك كانت صرخةٌ، آمل أن أسمع صداً لها في القريب العاجل.


العلامة شهاب الدين

الشيخ أحمد بن محمد بن فهد الأحسائي

( قبل 806 – بعد 841 هـ )


اسمه الشريف :

هو الشيخ العلامة شهاب الدين؛ أحمد بن محمد بن فهد بن حسن بن محمد بن إدريس بن فهد المقرئ المضري الأحسائي القارِي.
وذكره بعضهم بـ(أحمد بن فهد) دون ذكر أبيه محمد ، واشتهرت تسميته بـ(ابن فهد الأحسائي)، وما ذلك إلا للتَّخفيف وسهولة اللفظ.

قال الشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمه الله): (أحمد الأحسائي: شهاب الدين؛ أحمد بن محمد بن فهد بن الحسن بن محمد بن إدريس، وهو نسبة إلى الجد، وإلا فما ذكرت في نسبته هو في متن كتابه خلاصة التنقيح) .

قال صاحب الأعلام: (المعروف في كتب التراجم أن "فهد" أبٌ لـ"ابن فهد الأحسائي"، وهو جدٌّ لـ"ابن فهد الحلي"، والصحيح أنه جدٌّ في كليهما، نصَّ على ذلك صاحب الذريعة، ودلَّ عليه -أيضاً- ما جاء في "رجال بحر العلوم"، و"فهرست علماء البحرين").


نسبته:
الأحسائي: بفتح الهمزة، وسكون الحاء المهملة، ثمَّ فتح السِّين غير المُعجمة، ثمَّ الألف، ثمَّ الياء، نسبةً إلى الأحساء -بالفتح والمدّ-؛ جمع حسِي، بكسر الحاء، وسكون السين، وهو الماء تُنشفه الأرض من الرمل، فإذا صار إلى صلابةٍ أمسكته، فتحفر العرب عنه الرمل فتستخرجه، وهي كثيرة بالبادية.
وهي عَلَمٌ على مدينة شرق الجزيرة العربية، أوَّل من عمَّرها وحصَّنها وجعلها قصبة هجر؛ أبو طاهر القرمطي.
وهي الآن علمٌ على مُحافظةٍ بالمنطقة الشرقية، من المملكة العربية السعودية.
القاري: نسبة إلى قرية القارة (إحدى قرى الأحساء الشرقية)، وهي قرية كبيرة معروفة، وتبعد عن مدينة (الهفوف) تقريباً: (14كم)، ويُقدَّر عدد سكانها بحوالي سبعة آلاف نسمة أو أكثر.
وهي من القرى القديمة، وإليها يُنسب الجبل المشهور بـ(جبل القارة)؛ لكونه أكبر القرى المُجاورة له، ولأن قطعة منفصلة عن الجبل الكبير تقع في وسط القرية.

المقرئ المضري:

تفرَّد أصحاب ترجمة (ابن فهد الأحسائي) في مقدمة كتابه (خلاصة التقيح) بعد هاتين النسبتين، بالقول: (أنها نسبة إلى قرية صغيرة دخلت في حدود بلدة القارة المعروفة في قرى الأحساء، وأصبحت محلة من محلات القارة)، ولم نعثر لقرية بهذا الاسم في المصادر التي بين يدينا في ذكر قرى الأحساء قديماً؟!.

مولده ونشأته:
وُلد العلامة ابن فهد الأحسائي (قدس سره) قبل عام: (806هـ)، وغالب الظن أنه وُلد في قرية (القارة) من قُرى الأحساء؛ لأنها موطنه وبها قضى أيام شبابه.

سفره لطلب العلم:
كانت (الحلة) آنذاك هي المركز الرئيس لحوزة أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وإليها يأوي كبار علماء الإمامية، كالمحقق الحلي، والعلامة الحلي، وفخر المحققين، وابن طاووس، وابن ورَّام، وابن نما، والشهيد الأول وغيرهم، حتى عُرفت مدرسة الحلة بمدرسة التطوير والتجديد.
ولأجل وجود تلك الميزات، فإنها كانت تجذب طُلَّاب العلوم إليها من شتَّى أصقاع العالم، وقد كان أحدهم العلامة ابن فهد (قدس سره)، فهاجر من الأحساء إلى العراق، واستوطن (الحلة) لغرض تحصيل العلوم الدينية.


من أساتذته:
لم نجد بين صفحات التأريخ التي سجَّلت تاريخ المترجم له من أساتذته، إلا الشيخ العلامة الجليل جمال الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن المتوج البحراني (قدس سره)، الذي كان يروي عن العلامة الحلي.
وقد حضي العلامة ابن فهد من أستاذه على الإجازة سنة: (802هـ).

قال السيد جواد شبَّر في (أدب الطفِّ) ضمن ترجمة الشيخ جمال الدين ابن المتوَّج: (ربَّما وقع سهواً من بعض المترجمين الاشتباه بين صاحب الترجمة -أي: جمال الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسن ابن المتوَّج البحراني- وبين معاصره الشيخ فخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوَّج البحراني، فقد صرَّح شيخنا صاحب (الذريعة) أنهما اثنان: أحدهما جمال الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسن بن المتوَّج البحراني، والثاني فخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوَّج، ولكلٍّ منهما مؤلفات).
وقال -أيضاً- ضمن ترجمة الشيخ ناصر بن أحمد المتوَّج: (ومن تلامذته الشيخان الجليلان: الشيخ أحمد بن فهد الحلي، والشيخ أحمد بن فهد المُضري الأحسائي، ولكلّ منهما شرحٌ على الإرشاد، فهو من غرائب الاتِّفاقات).


طريق روايته عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام):
من الأمور التي اهتم بها علماؤنا الأبرار (رضوان الله عليهم) -قديماً وحديثاً- تعدُّد طرقهم في نقل الروايات المباركة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ولا نتصور أن ابن فهد الأحسائي من دونهم كان زاهداً في ذلك، بيد أن المصادر التي بين أيدينا لم تذكر إلا مذكره الشيخ المحقِّق محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، (المعروف بابن أبي جمهور) في كتابه (عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث القدسية).

فقد قال في مقدمة كتابه عند ذكر طرق روايته -الطريق الأول-:
(عن شيخي وأستاذي، ووالدي الحقيقي والمعنوي، وهو الشيخ الزاهد العابد الكامل، زين الملة والدين، أبو الحسن علي ابن الشيخ المولى الفاضل المتَّقي من بين أنسابه وأضرابه؛ حسام الدين إبراهيم ابن المرحوم حسن بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحساوي "تغمَّده الله برضوانه، وأسكنه بحبوحة جنانه".

عن شيخه العالم النحرير، قاضي قضاة الإسلام؛ ناصر الدين، الشهير بابن نزار، عن أستاذه الشيخ التقي الزاهد؛ جمال الدين حسن، الشهير "بالمطوع" الجرواني الأحساوي، عن الشيخ النحرير العلامة؛ شهاب الدين، أحمد بن [محمد بن] فهد بن إدريس المقري الأحسائي، عن شيخه العلامة، خاتمة المجتهدين، المنتشرة فتاويه في جميع العالمين، فخر الدين أحمد بن عبد الله، الشهير بابن متوَّج البحراني، عن شيخه وأستاذه، بل أستاذ الكل، الشيخ العلامة، والبحر القمقام، فخر المحقِّقين، أبو طالب محمد، بن الشيخ العلامة جمال المحققين أبو منصور الحسن، بن الشيخ الفاضل الكامل، سديد الدين يوسف بن المطهر الحلي "قدَّس الله أرواحهم أجمعين".

وهو -أعني: فخر المحقِّقين- يروي عن والده المذكور، أعني: جمال المحقِّقين).

وذكر هذا الطريق -أيضاً- الشيخ يوسف البحراني (قدس سره) في لؤلؤته.

وقال في كشكوله -ضمن ترجمة ابن المتوَّج-: (وروى عنه الشيخ شهاب الدين؛ أحمد بن فهد بن إدريس المقري الأحسائي، المعروف بابن فهد..).

ممَّن تلمَّذ عليه وروى عنه:
مع أن علاَّمتنا الجليل الشيخ ابن فهد الأحسائي (قدس سره) شُغف بالدرس والتدريس، وقضى شطراً كبيراً من حياته في مدينة الحلة، مشتغلاً بالعلم بين الدرس والتدريس والتأليف، إلا أن من عُرف وجُزم بتتلمذه على يديه، لم يكن إلا الشيخ جمال الدين حسن الشهير بـ(المطوع) الجَرْواني الأحسائي (قدس سره) .

سميُّه ومُعاصره:
قال الشيخ يوسف البحراني (قدس سره): (ومن غريب الاتفاق ما ذكره بعض أصحابنا بعد ذكر هذا الرجل -أعني: أحمد بن فهد- قال:
واعلم أن ابن فهد هذا وابن فهد الأسدي [الحلي] المشهور متعاصران، ولكل منهما شرح على إرشاد العلامة، وقد يتحد بعض مشايخهم أيضاً، ومن هذه الوجوه كثيراً ما يشتبه الأمر فيهما، ولا سيما في شرحيهما على الإرشاد.

قال: وقد وقع بيدي جلد من شرح الإرشاد للشيخ أحمد الأحسائي المذكور من كتاب النكاح، وفي آخره مكتوب نقلاً من خط الشارح المذكور ما صورته:
(...تم الكتاب الموسوم بخلاصة التنقيح في مذهب الحق الصريح، في أواخر شهر رمضان، في اليوم الثالث والعشرين منه، من أحد شهور سنة ست وثمانمئة هجرية، على يد مؤلفه؛ العبد الغريق في بحور المعاصي، الخائف يوم يؤخذ بالنواصي: أحمد بن فهد بن حسن بن محمد بن إدريس الأحسائي، حامداً لله تعالى، ومصلياً على رسوله وآله، ربِّ اختم بالخير وأعن).
وفي أنوار البدرين علَّق على ما سبق بقوله: (قلتُ: قد ذكر بعض الأصحاب أيضاً أن لهذا الشيخ (قدس سره) كتاباً في الدعاء سماه (عدة الداعي) كشريكه وسميه الشيخ أحمد بن فهد الحلي (قدس سره)، وقد علمت أيضاً أنهما اشتركا في التَّلمُّذ على العلامة الأمجد الشيخ أحمد بن متوج البحراني، وشرحي الإرشاد، مع اتحاد الاسمين والأبوين، فهو من غرائب الاتفاقات).

ضريبة الاشتراك في هذه التسمية:
لقد دفع العلامة ابن فهد الأحسائي ضريبةً كبيرةً جرَّاء اشتراك اسمه مع اسم العلامة ابن فهد الحلي (قدس سره)، حتى كاد يُمحى اسمه من سجلِّ التاريخ، بسبب من شكَّك في كونهما شخصية واحدة أو رجلين مشتركين في التسمية، وذلك لعدة أمور:

1) التقارب الكبير بين المتَرجم له ومُعاصره الحلي.

2) علمت سابقاً: أنَّ أستاذهما واحد.

3) لكليهما شرحٌ لكتاب (إرشاد الأذهان) للعلامة الحلي (قدس سره).

4) لكليهما كتاب باسم (عدة الداعي).

5) طغيان اسم معاصره الحلي (قدس سره)؛ وعدم الاعتناء بالأحسائي (قدس سره).

لأجل هذه الأسباب، وغيرها: فقد وقع بعض العلماء بشبهة الخلط بينهما، فبعضهم عدَّهما واحداً، وبعضهم نسب كتاب أحدهما إلى الآخر، حتى بلغ الخلط إلى قبريهما، كما سنبحث ذلك مفصلاً فترقَّب.

وما يُؤيد هذا الكلام ما قاله الشيخ المامقاني (قدس سره) في تنقيحه: (وهو غير أحمد بن محمد بن فهد الحلي، وقد اشتبه الأمر على جملة من الأعاظم، فزعمهما واحداً، أو نسب كتاب الخُلاصة إلى ذاك).
وهو ما دعى الميرزا الخوانساري (قدس سره) -بعد ذكر ترجمة العلامة ابن فهد الحلي- أن يُعقِّب بعد ذلك بقوله: (ثم إن هذا الشيخ الكبير غير الشيخ النحرير شهاب الدين أحمد بن فهد بن حسن بن إدريس الأحسائي، وإن اتَّفق توافقهما في العصر والاسم والنسبة إلى فهد، الذي جدٌّ في الأوَّل، وأبٌ في الثاني -ظاهراً-، وكذا في روايتيهما جميعاً عن الشيخ أحمد بن المتوَّج البحراني، وغير ذلك من المشتركات..).

قال صاحب الذريعة: (ولا أستبعد في اشتراك رجلين بل أكثر في جملة من الأمور المذكورة، مع وقوعه كما نراه بين الشيخ أحمد بن فهد الحلِّي، وبين أحمد بن فهد الأحسائي من الاشتراك في عدة جهات، وحتى في تأليفهما شرح الإرشاد).

قال صاحب أمل الآمال: (ويحتمل التَّعدُّد، وهو الأقرب).

وتابعه على ذلك السيد الخوئي (قدس سره) في (معجم رجال الحديث).

ولا أدري على من يقع اللوم في هذه المسألة التي كادت أن تطمس علماً شامخاً من أعلام منطقتنا العزيزة، إلا أنني أقول: جزى الله من وقف هذه الوقفة لنصرة هذا المظلوم، وعفى الله عن أولئك الأعاظم الذين كادوا -بعدم تَفَحُّصِهِم وتحقُّقهم- أن يرتكبوا هذا الخطأ الشنيع.

من مؤلفاته:
من المعلوم أن التأليف والكتابة تحتاج -عند غالب الكُتَّاب- إلى أجواء خاصة، وتفرُّغ تام، ولعل هذا هو أهم أسباب قلَّة تأليفات العلامة ابن فهد الأحسائي (قدس سره)، فقد شُغف كثيراً بالدرس والتدريس، وإن كنَّا لا نستبعد ثراءه أيضاً في مجال التأليف مع تلك الظروف، إلا أن ما نقله لنا التأريخ مجموعة من المؤلفات القيِّمة والغنيِّة رُغم قلَّتها، أشارت إليها مصادر الترجمة، وهي ما يلي:

1) خلاصة التنقيح في المذهب الحق الصحيح (شرحٌ لإرشاد العلامة الحلي)، وقد طُبعت بعض أجزائه مؤخراً من قِبل: (المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات).

2) عدة الداعي (في الأدعية والزيارات).

3) كفاية الطالبين في أحوال الدين.

4) الوسيلة في فتح مقفلات القواعد.

5) النهاية في خمسمئة آية؛ التي عليها المدار في الفقه.

6) الناسخ والمنسوخ. (شرحه عبد الجليل القاري سنة: 976هـ).

7) رسالة أدبية، (من روائع الأدب المنثور الأحسائي لزمن المؤلف)، وهي على شكل قصة، صوَّر من خلالها صراع المؤمن بين جنود الإيمان وقوى الشر، عثر عليها الخطيب الشيخ جعفر الهلالي في البحرين، وسنعمل على طباعتها قريباً إن شاء الله.

تعيين سنة وفاته:
توفي العلامة الأحسائي (قدس سره) بعد عام: (806هـ)، وهو العام الذي انتهى فيه من شرح الإرشاد، كما قرأت سابقاً، وقال الشيخ حرز الدين في (مراقد المعارف): (توفي في أوائل القرن التاسع الهجري).
واعتماداً على ما قاله صاحب مراقد المعارف: (أن الأحسائي بقي حياً مدةً بعد وفاة الأسدي الحلي)، تكون وفاته بعد عام: (841 هـ)، وهو العام الذي توفي فيه العلامة ابن فهد الحلي (قدس سره).


تعيين مكان قبره الشريف:
قال الشيخ البلادي في أنوار البدرين: (والقبر الذي في كربلاء قريباً من الخيم الحسينية المشتهر أنه قبر ابن فهد؛ قبر هذا الشيخ الأحسائي (قدس سره)، كما ذكره بعض الأصحاب.

وقيل: قبر الشيخ الحلي سميه -والله العالم- تغمدهما الله برحمته، وأفاض علينا وعلى آبائنا وعليهم وإخواننا، سوابغ رضاه ومغفرته).
وقد جزم العلامة الإمام السيد مهدي القزويني (المتوفي سنة: 1300هـ)، في كتابه (المزار) بأن مدفن العلامة ابن فهد الحلي في الحلة.

وقال بعد ذلك: (والشيخ أحمد بن فهد الأحسائي في كربلاء).

وذكر الشيخ الطهراني في (نقباء البشر) في ترجمة السيد حسين بن السيد مهدي القزويني المُتوفى سنة: (1325هـ) ما هذا نصه: (كتبَ لي الشيخ أغا رضا الأصفهاني أنه: كان من رأي السيد حسين القزويني؛ أن المقبرة المعروفة في كربلاء بمقبرة ابن فهد الحلي، هي مقبرة ابن فهد الأحسائي.

أما الحلي فهو مدفون بالحلة، لعله سمع ذلك من أبيه).

ولعل أجود ما قيل في هذه المسألة ما قاله الدكتور جودت القزويني في تعليقاته على كتاب (المزار) فقال: (أمَّا المرقد المعروف بمدينة كربلاء؛ فهو لشهاب الدين أحمد بن فهد المقرئ الأحسائي، وقد جرت النصوص التاريخية خلاف ذلك، فقيل: إن المرقد الموجود بكربلاء هو للحلي، والذي في الحلة للأحسائي.

ومن خلال دراستنا لحياة ابن فهد الحلي، ومكوثه في الحلة طوال سني زعامته الدينية، فإن الأقرب أن يكون قبره بها لا في غيرها من المُدن، ولو كان قبره قريباً من مراقد الأئمة ملاصقاً للحضرة المطهَّرة؛ لكان ذلك دلالة على وصية منه بدفنه.

أمَّا أن يُدفن خارج حرم الأئمة، فذلك ينبئ على أنَّ هذا القبر ليس إلا لشخصٍ آخر، فيكون القبر الذي هو في كربلاء ألصق بالأحسائي منه إلى الحلي، وهذا ما جزم به المؤلف الإمام [السيد مهدي القزويني (قدس سره)]، وما دلنا البحث عليه).


وصف مقبرة ابن فهد الأحسائي (قدس سره) في كربلاء:
وقال الدكتور جودت -أيضاً- في موضعٍ آخر من تعليقاته على المزار -يصف القبر الشريف-: (وقبر ابن فهد الشاخص اليوم بكربلاء يقع في شارع القبلة، وكان قبل ذلك بستاناً فخماً يُطلق عليه اسم: "بستان ابن فهد"، وهو مزار معروف، وعليه قبَّة عالية، وقد اتُخذ في عصرنا [عصر ما قبل سقوط نظام صدام] مقراً لجمعية سُمَّيت (جمعية النهضة) موالية لسلطة الدولة السياسية...

وقبر ابن فهد بكربلاء مشيَّد، وعليه شُباك حديدي، تعلوه أربع ثريَّات، وتُحيط به المصابيح الكهربائية، وفوق قبره غطاء أخضر تدلَّى على أطراف القبر العليا، هكذا رأيته في منتصف التسعينيات الهجرية).

أقول:

هذا في التسعينات؛ وأما اليوم وبعد سنوات قلائل من سقوط النظام فقد أُقيمت بدل تلك الجمعية؛ حوزة علمية للدروس الدينية في كربلاء، تحت اسم: (حوزة العلامة ابن فهد الحلي)، يُدرَّس فيها جميع المراحل الحوزوية من المقدمات إلى بحث الخارج، ومن أساتذة الخارج فيها الآن أستاذنا العلامة الشيخ عبد الكريم الحائري، والشيخ العلامة فاضل الصفار الشهابي (حفظهما الله تعالى).

كلمةٌ أخيرة:
بعد هذه الكلمات التي سقناها في تعيين قبر العلامة ابن فهد الأحسائي (قدس سره)، فإنني أظن ظنا قوياً أنه المدفون في كربلاء بلا ريب، وهذا لا يُنقص أبداً من مقام العلامة ابن فهد الحلي (قدس سره)، بل على رأي الدكتور جودت -وإن كنا نتحفظ عليه-: (القول بوجوده في كربلاء ولكنه بعيد عن ملاصقة الحرم الشريف، هو الذي لا يتناسب مع مكانته ومقامه) .

ودعوى حرز الدين في (مراقد المعارف): (أنه خلاف ما عليه سيرة علمائنا الأقدمين والمتأخرين، المعتضد بالشهرة والتلقي)، فقد عُلم خلافه بمن نقل الخلاف؛ كالشيخ البلادي وغيره، بل بمن جزم بالعكس من محقِّقي العلماء كما نقلنا عن الإمام السيد مهدي القزويني (قدس سره)، وما نقله الطهراني (قدس سره) عن السيد حسين القزويني (قدس سره)، وغيرهما.

وقديماً قيل في الشهرة: (ربَّ مشهورٍ لا أصل له)، خصوصاً إذا علمنا أن شهرة ابن فهد الحلي، غطَّت على شُهرة الأحسائي (قدس سره)، حتى ظنَّ بعض الأعاظم بعدم وجود شخصية تحمل اسم (ابن فهد الأحسائي) كما أشرنا سابقاً.

فما بالك لو سألت عامة أهل كربلاء، أو عامَّة علمائها -قديماً وحديثاً- عن هذا (الأحسائي)، فهل ستجد أحداً سمع به إلا القلة ممن له باع طويل في معرفة تراجم العلماء عموماً، وأعلام الأحساء خصوصاً؟!.

فما نقله صاحب (المراقد) بعيدٌ عن سيرة محقِّقي العلماء، مع احترامنا لرأيه.


وأضيفا مؤخراً:

أنني التقيت أثناء تواجدي في النجف الأشرف بالعلامة البحاثة المحقق الشيخ باقر شريف القرشي (حفظه الله)، وعرضت عليه خلاصة ما توصلت إليه، فأيد كلامي، ولا زال البحث مستمراً عن مصادر أخرى تؤكد هذه الحقيقة.

نداء ورجاء، لمسؤولي حوزة ابن فهد الحلي في كربلاء:
في الختام: فإني أرى من الإنصاف -وبعد هذه الحقائق التاريخية- على مسؤولي (حوزة العلامة ابن فهد الحلي في كربلاء)؛ أن يجمع اسم هذه الحوزة بركة اسمي هذين العلمين الجليلين، فتكون: (حوزة العلامتين ابن فهد الحلي والأحسائي)، عملاً بقاعدة: (الجمع -مهما أمكن- أولى من الطرح).

فيكونوا بذلك قد ساهموا في إعادة البريق إلى هذه الشخصية العملاقة في تأريخ التشيُّع، ويكون لهم الفضل الكبير على مرِّ العصور القادمة في رفع ظلم التعتيم الذي وقع على هذه الشخصية المباركة.

ولما سمعته من عقل وإنصاف إدارة تلك الحوزة (دامت بركاتهم) فإني متفائل جداً أن أسمع صداً مُنصفاً في هذه المسألة، وفي أقرب الأوقت.

(تغمد الله العلامتين "الأحسائي والحلي" برحمته،

وأفاض عليهما وعلينا وعلى آبائنا وإخواننا سوابغ رضاه ومغفرته،

إنه أرحم الراحمين، وخير الغافرين،

بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين).


راضي ناصر السلمان الأحسائي

من جوار أمير المؤمنين (عليه السلام)

النجف الأشرف – 25/5/1430هـ

التعليقات «6»

مصطفى الصالح الرمضان - الهفوف [الجمعة 18 ديسمبر 2009 - 6:15 م]
وفقكم الله شيخنا الفاضل والى الامام والله يرعاكم
بنت السيد السستاني - [الخميس 05 نوفمبر 2009 - 6:49 م]
أوحدي أنا قرأت البحث وعارفه المقصود هو الشيخ أحمد بن محمد بن فهد الأحسائي....
بس أنا أدور عن كتاب لشيخ الأوحد قدس
الله روحه...

جزاكم الله خير الدنيا والأخره..
بنت السيد السستاني - [الأحد 25 اكتوبر 2009 - 6:07 ص]
أشكر سماحة الشيخ راضي على هذا البحث الشيق حقيقة وأتمنى المزيد من البحوث لأعلامنا الأحساااائيين خصوصاً لأن نحن مقصررررين في معرفتهم وأنا من زمان أبحث عن سيرة حياة الشيخ الأوحد وما لقيت ألا الشي القليل في حقه وهذا شئ مؤسف (طبعاً)
أتمــــــــــنى لكم السداد والموفقية
-----
موقع أوحدي
هذا الشيخ أحمد بن محمد بن فهد الأحسائي -- غير ( يختلف ) -- الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي الأوحد
موقع أوحدي
أحمد عبد الوهاب العامر - الأحساء [الأربعاء 02 سبتمبر 2009 - 7:41 م]
بحث جميل و مهم .. أتحفتنا فيه بذكرى عالم كبير من أعلام الأحساء المضيعين ..

بارك الله جهودكم يا شيخ راضي .. و أتمنى لكم الموفقية
كنان حسين - سوريا [الأحد 30 اغسطس 2009 - 2:50 ص]
بارك الله بكم أخي الشيخ راضي على هذا المقال النافع

والرجاء الاتصال بنا
أو مراسلتنا على الإيميل أو أرسال رقم جوالكم

وفقكم الله
محمد البحراني - الاحساء [الأربعاء 01 يوليو 2009 - 1:40 ص]
لأول مرة أعرف أن هناك شيخين أحمد الأحسائي!!


هل توجد صورة للعلامة شهاب الدين الشيخ أحمد الأحسائي؟؟



دمت موفقاً يا شيخ راضي..


تحياتي